فصل: فوائد لغوية وإعرابية:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



.التفسير المأثور:

{وَجَاوَزْنَا بِبَنِي إِسْرَائِيلَ الْبَحْرَ فَأَتَوْا عَلَى قَوْمٍ يَعْكُفُونَ عَلَى أَصْنَامٍ لَهُمْ قَالُوا يَا مُوسَى اجْعَلْ لَنَا إِلَهًا كَمَا لَهُمْ آَلِهَةٌ قَالَ إِنَّكُمْ قَوْمٌ تَجْهَلُونَ (138) إِنَّ هَؤُلَاءِ مُتَبَّرٌ مَا هُمْ فِيهِ وَبَاطِلٌ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ (139)}.
أخرج ابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن قتادة في قوله: {فأتوا على قوم يعكفون على أصنام لهم} قال: على لخم.
وأخرج ابن أبي حاتم عن أبي عمران الجوني في قوله: {فأتوا على قوم يعكفون على أصنام لهم} قال: هم لخم وجذام.
وأخرج ابن جرير وابن المنذر عن ابن جريج في قوله: {فأتوا على قوم يعكفون على أصنام لهم} قال: تماثيل بقر من نحاس، فلما كان عجل السامري شبه لهم أنه من تلك البقر، فلذلك كان أول شأن العجل لتكون لله عليهم حجة فينتقم منهم بعد ذلك.
وأخرج عبد بن حميد وأبو الشيخ عن قتادة في قوله: {قالوا يا موسى اجعل لنا إلهًا كما لهم آلهة} قال: يا سبحان الله...! قوم أنجاهم الله من العبودية، وأقطعهم البحر، وأهلك عدوهم، وأراهم الآيات العظام، ثم سألوا الشرك صراحية.
وأخرج ابن أبي شيبة وأحمد والنسائي وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم وأبو الشيخ وابن مردويه عن أبي واقد الليثي قال: خرجنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم قبل حنين، فمررنا بسدرة فقلت: يا رسول الله اجعل لنا هذه ذات أنواط كما للكفار ذات أنواط، وكان الكفار ينوطون سلاحهم بسدرة ويعكفون حولها، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: «الله أكبر، هذا كما قالت بنو إسرائيل لموسى {اجعل لنا إلهًا كما لهم آلهة} إنكم تركبون سنن الذين من قبلكم».
وأخرج ابن أبي حاتم وابن مردويه والطبراني من طريق كثير بن عبد الله بن عوف عن أبيه عن جده قال: غزونا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم عام الفتح ونحن ألف ونيف، ففتح الله له مكة وحنينا، حتى إذا كنا بين حنين والطائف مررنا بشجرةٍ دنوا عظيمة سدرة كان يناط بها السلام فسميت ذات أنواط، وكانت تُعبد من دون الله، فلما رآها رسول الله صلى الله عليه وسلم صرف عنها في يوم صائف إلى ظل هو أدنى منها، فقال له رجل يا رسول الله اجعل لنا ذات أنواط كما لهم ذات أنواط. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إنها السنن قلتم. والذي نفس محمد بيده كما قالت بنو إسرائيل {اجعل لنا آلهًا كما لهم آلهة}».
وأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن ابن عباس في قوله: {متبر} قال: خسران.
وأخرج ابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن ابن عباس في قوله: {متبر} قال: هالك.
وأخرج ابن أبي حاتم عن ابن زيد في قوله: {إن هؤلاء متبر ما هم فيه وباطل} قال: المتبر المخسر، وقال المتبر والباطل سواء كله واحد كهيئة غفور رحيم، والعرب تقول: إنه البائس المتبر، وإنه البائس المخسر. اهـ.

.فوائد لغوية وإعرابية:

قال ابن عادل:
قوله: {إنَّ هؤلاء مُتَبَّرٌ ما هُمْ فِيهِ}.
هؤلاءِ إشارة لِمَنْ عَكَفُوا على الأصنام، ومُتَبَّرٌ فيه وجهان: أحدهما: أن يكون خبرًا لـ {إنَّ} و{مَا} موصولةٌ بمعنى الَّذي وهُمْ فِيهِ جملةٌ اسميةٌ صلةٌ وعائده، وهذا الموصولُ مرفوعٌ باسم المفعول فتكون قد أخْبَرْتَ بمفرد رفعت به سَبَبًّا.
والثاني: أن يكون الموصولُ مبتدأ، ومُتَبَّرٌ خبره قُدِّم عليه، والجملةُ خبرٌ لـ {إنَّ}.
قال الزمخشريُّ: وفي إيقاع {هؤلاء} اسمًا لـ {إنَّ}، وتقديمُ خبر المبتدأ من الجملة الواقعةِ خبرًا لها وسمٌ لعبدة الأصنام بأنَّهم هم المُعَرَّضُونَ للتَّبَار، وأنَّهُ لا يَعْدُوهُم ألْبتَّة، وأنَّهُ لهم ضربةُ لازم، ليحذِّرهم عاقبة ما طلبوا، ويبغض إليهم ما أحَبُّوا.
قال أبُو حيَّان: ولا يتعيَّنُ ما قاله من تقديم خبر المبتدأ من الجملة الواقعة خبرًا لـ {إنَّ}، لأنَّ الأحْسَنَ في إعراب مثل هذا أن يكونُ مُتَبَّرٌ خبرًا {إنَّ} وما بعده مرفوعٌ فذكر ما قرَّرْتُهُ، ونظَّره بقولك: إنَّ زَيْدًا مضروبٌ غلامُهُ.
قال: فالأحْسَنُ أن يكون غلامه مرفوعًا بمضروب، ثم ذكر الوجه الثاني وهو أن يكون {مُتَبَّرٌ} خبرًا مقدمًا من الجملة، وجعله مرجوحًا.
وهو كما قال، لأنَّ الأصلَ في الأخبارِ أن تكون مفردةً، فما أمكن فيها ذلك لا يُعْدل عنه، إلا أنَّ الزمخشريَّ لم يذكر ذلك على سبيل التَّعيين، بل على أحد الوجهين وقد يكونُ هذا عنده أرجحَ من جهة ما ذكر من المعنى، وإذا دار الأمر بين مُرَجِّح لفظيّ، ومُرَجِّح معنويٍّ فاعتبارُ المعنويِّ أولى، ولا أظُنُّ حَمَلَ الزمخشري على ذلك إلا ما ذكرت.
وقوله: {وَبَاطِلٌ مَّا كَانُواْ يَعْمَلُونَ} كقوله: {مُتَبَّرٌ مَّا هُمْ فِيهِ} من جواز الوجهين وما ذُكِر فيهما.
والتَتْبيرُ: التَّكسير، والتَّحطيم.
والبطلان قيل: عدم الشَّيءِ إمَّا بعد ذاته، وإما بعدم فائدته ومقصوده. اهـ.

.من لطائف وفوائد المفسرين:

من لطائف القشيري في الآيتين:
قال عليه الرحمة:
{وَجَاوَزْنَا بِبَنِي إِسْرَائِيلَ الْبَحْرَ فَأَتَوْا عَلَى قَوْمٍ يَعْكُفُونَ عَلَى أَصْنَامٍ لَهُمْ قَالُوا يَا مُوسَى اجْعَلْ لَنَا إِلَهًا كَمَا لَهُمْ آَلِهَةٌ قَالَ إِنَّكُمْ قَوْمٌ تَجْهَلُونَ (138) إِنَّ هَؤُلَاءِ مُتَبَّرٌ مَا هُمْ فِيهِ وَبَاطِلٌ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ (139)}.
لم تَخْلُصْ في قلوبهم حقائقُ التوحيد فتاقت نفوسهم إلى عبادة غير الله، حتى قالوا لنبيِّهم موسى عليه السلام: اجعل لنا إلهًا كما لهم آلهة. وكذا صفة من لم يتحرر قلبُه من إثبات الأشغال والأعلال، ومن المساكنة إلى الأشكال والأمثال.
ويقال مَنْ ابتغى بالصنم أن يكون معبودَه متى يُتَوَّهم في وصفِه أَنْ يُخلِصَ إلى اللهِ قصودَه؟. اهـ.

.تفسير الآية رقم (140):

قوله تعالى: {قَالَ أَغَيْرَ اللَّهِ أَبْغِيكُمْ إِلَهًا وَهُوَ فَضَّلَكُمْ عَلَى الْعَالَمِينَ (140)}

.مناسبة الآية لما قبلها:

قال البقاعي:
ولما كان هذا استدلالًا على أن مثل هذه الأصنام التي مروا عليها لا تصلح لأن تعبد، كان ذلك غير كاف لهم لما- تقرر من جهلهلم، فربما ظنوا أن غيرها مما سوى الله تجوز عبادته، فكأنه قيل: هذا لا يكفي جوابًا لمثل هؤلاء فهل قال لهم غير ذلك؟ فقيل: نعم! {قال} منكرًا معجبًا {أغير الله} أي الذي له جميع العظمة، فهو المستحق للعبادة {أبغيكم} أي أطلب لكم {إلهًا} فأنكر أن يتأله غيره، وحصر الأمر فيه ثم بينه بقوله: {وهو} أي والحال أنه هو وحده {فضلكم} دون غيركم ممن هو في زمانكم أو قبله {على العالمين} أي لو لم يكن لوجوب اختصاصهم له بالعبادة سبب سوى اختصاصه لهم بالتفصيل على سائر عباده الذين بلغهم علمهم ممن هو أقوى منهم حالًا وأكثر عددًا وأموالًا لكان كافيًا. اهـ.

.من أقوال المفسرين:

.قال الفخر:

اعلم أنه تعالى حكى عن موسى عليه السلام أنهم لما قالوا له: {اجعل لَّنَا إلها كَمَا لَهُمْ ءالِهَةٌ} فهو عليه السلام ذكر في الجواب وجوهًا: أولها: أنه حكم عليهم بالجهل فقال: {إِنَّكُمْ قَوْمٌ تَجْهَلُونَ} وثانيها: أنه قال: {إِنَّ هَؤُلاء مُتَبَّرٌ مَّا هُمْ فِيهِ} أي سبب للخسران والهلاك.
وثالثها: أنه قال: {وباطل مَّا كَانُواْ يَعْمَلُونَ} أي هذا العمل الشاق لا يفيدهم نفعًا في الدنيا والدين.
ورابعها: ما ذكره في هذه الآية من التعجب منهم على وجه يوجب الإنكار والتوبيخ فقال: {أَغَيْرَ الله أَبْغِيكُمْ إلها وَهُوَ فَضَّلَكُمْ عَلَى العالمين} والمعنى: أن الإله ليس شيئًا يطلب ويلتمس ويتخذ، بل الإله هو الله الذي يكون قادرًا على الإنعام بالإيجاد وإعطاء الحياة وجميع النعم، وهو المراد من قوله: {وَهُوَ فَضَّلَكُمْ عَلَى العالمين} فهذا الموجود هو الإله الذي يجب على الخلق عبادته، فكيف يجوز العدول عن عبادته إلى عبادة غيره.
قال الواحدي رحمه الله: يقال: بغيت فلانًا شيئًا وبغيت له.
قال تعالى: {يَبْغُونَكُمُ الفتنة} [التوبة: 47] أي يبغون لكم، وفي انتصاب قوله: {إلها} وجهان: أحدهما: الحال كأنه قيل: أطلب لكم غير الله معبودًا، ونصب {غَيْرِ} في هذا الوجه على المفعول به.
الثاني: أن ينصب {إلها} على المفعول به {وَغَيْر} على الحال المقدمة التي لو تأخرت كانت صفة كما تقول: أبغيكم إلها غير الله.
وقوله: {وَهُوَ فَضَّلَكُمْ عَلَى العالمين} فيه قولان: الأول: المراد أنه تعالى فضلهم على عالمي زمانهم.
الثاني: أنه تعالى خصهم بتلك الآيات القاهرة ولم يحصل مثلها لأحد من العالمين، وإن كان غيرهم فضلهم بسائر الخصال، ومثاله: رجل تعلم علمًا واحدًا وآخر تعلم علومًا كثيرة سوى ذلك العلم، فصاحب العلم الواحد مفضل على صاحب العلوم الكثيرة بذلك الواحد، إلا أن صاحب العلوم الكثيرة مفضل على صاحب العلم الواحد في الحقيقة. اهـ.

.قال السمرقندي:

ثم {قَالَ} لهم {أَغَيْرَ الله أَبْغِيكُمْ إلها} يعني: أسوى الله آمركم أن تعبدوا وتتخذوا إلها {وَهُوَ فَضَّلَكُمْ عَلَى العالمين} يعني: على عالمي زمانكم.
يعني: أنه قد أحسن إليكم فلا تعرفون إحسانه، وتطلبون عبادة غيره.
وهم الذين كانوا أجابوا السامري حين دعاهم إلى عبادة العجل بعد انطلاق موسى إلى الجبل. اهـ.

.قال ابن عطية:

وقوله تعالى: {قال أغير الله} الآية، أمر الله موسى عليه السلام أن يوقفهم ويقررهم على هذه المقالة، ويحتمل أن يكون القول من تلقائه عليه السلام، {أبغيكم} معناه: أطلب لكم، من بغيت الشيء إذا طلبته، و{غير} منصوبة بفعل مضمر هذا هو الظاهر ويحتمل أن ينتصب على الحال كأن تقدير الكلام: قال أبغيكم إلهًا غير الله فهي في مكان الصفة فلما قدمت نصبت على الحال، و{العالمين} لفظ عام يراد به تخصيص عالم زمانهم، لأن أمة محمد صلى الله عليه وسلم أفضل منهم بإجماع، ولقوله تعالى: {كنتم خير أمة أخرجت للناس} [آل عمران: 110] اللهم إلا أن يراد بالفضل كثرة الأنبياء منهم فإنهم فضلوا في ذلك على العالمين بالإطلاق. اهـ.

.قال الخازن:

{قال أغير الله أبغيكم إلهًا}.
لما قال بنو إسرائيل لموسى اجعل لنا إلهًا لنا إلهًا كما لهم آلهة حكم عليهم بالجهالة وقال مجيبًا لهم على سبيل العجب والإنكار عليهم أغير الله أبغيكم إلهًا يعني أطلب لكم وأبغي لكم إلهًا {وهو فضّلكم على العالمين} والمعنى أن الإله ليس هو شيئًا يطلب ويلتمس ويتخير بل الإله هو الذي فضلكم على العالمين لأنه القادر على الإنعام والإفضال فهو هذا الذي يستحق أن يعبد ويطاع لا عبادة غيره ومعنى قوله فضلكم على العالمين يعني على عالمي زمانكم وقيل فضلهم بما خصهم به من الآيات الباهرة التي لم تحصل لغيرهم وإن كان غيرهم أفضل منهم. اهـ.